الجمعة، 16 يناير 2015

مؤسسة فنون الثقافية / مقال / المطر ومايوحيه لدى شعراء العرب / لميس العفيف / سوريا




إبداع يوحيه المطر ........ لدى شعراء العرب
لم يستهو فصل من فصول السنة شعراء العربية كما فعل فصل الشتاء فكأنه مصدر وحيهم وإلهامهم وكأن تساقط الثلوج والأمطار من كبد السماء إيذانا بانهمار الأفكار والرؤى الشعرية.
ولفصل الشتاء وقعه الخاص في نفوس الشعراء بدليل حضوره الجلي الماثل في روائع نصوصهم وإن تفاوتت علاقتهم به من حيث التوجس والأمان والحب والكره تبعاً لعلم البديع والمعاني والبيان التي هي من صميم أدوات الشاعر الفنية ونهجه فيقول الشاعر الراحل محمود درويش واصفا الشتاء أجمل وصف في قصيدته أحب الشتاء.
/كنت فيما مضى أنحني للشتاء احتراما
وأصغي إلى جسدي.. مطر مطر كرسالة
حب تسيل إباحية من مجون السماء
أما الشاعر الكبير نزار قباني الذي امتطى جواد الشعر في العصر الحديث فجاء ليصف علاقته الحزينة مع الشتاء في قصيدته /حقائب البكاء/ حيث وصف قدوم فصل الشتاء بحاجته الى البكاء فيقول في قصيدته:
إذا أتى الشتاء..
وحركت رياحه ستائري
أحس يا صديقتي
بحاجة إلى البكاء
على ذراعي..
على دفاتري
وأبدعت نازك الملائكة في وصف المطر والتغني به من خلال قصيدة طويلة حملت عنوان على وقع المطر والتي تقول فيها..
أمطري لا ترحمي طيفي في عمق الظلام
أمطري صبي علي السيل يا روح الغمام
لا تبالي أن تعيديني على الأرض حطام
وأحيليني إذا شئت جليدا أو رخام
وتناقضت رؤية الشاعر العراقي بدر شاكر السياب حيال الشتاء من التشاؤم والحزن إلى الأمل بمستقبل أفضل ولكنه استخدم المطر للدلالة على الخير والتفاؤل فيقول..
مطر… مطر… مطر…
سيعشب العراق بالم…
في كل قطرة من المطر
حمراء أو صفراء من أجنة الزهر.
ولشعراء الشعر العمودي أيضاً كان لهم نصيب كبير في وصف الشتاء ولنا خير مثال الشاعر التونسي المبدع أبو القاسم الشابي عندما يقول..
يجيء الشتاء شتاء الضباب .. شتاء الثلوج شتاء المطر فينطفىء السحر سحر الغصون .. وسحر الزهور وسحر الثمر وسحر السماء الشجي الوديع .. وسحر المروج الشهي العطر.
وإذا عدنا إلى قرون خلت لوجدنا الشعراء القدامى يتغنون بالشتاء وبما به من خير غير أنهم لا ينظرون إليه من زاوية الحزن واليأس والقلق فالشاعر ابو تمام يصف فصل الشتاء ونعمته على الطبيعة وعلى البشر رامزا به إلى الممدوح فهو عنده بمثابة المقدمة الكبرى التي يمهد بها الشاعر لوصف الربيع فقال..
لولا الذي غرس الشتاء بكفه .. لاقى المصيف هشائما لا تثمر مطر يذوب الصحو منه وبعده .. صحو يكاد من الغضارة يمطر واهتم الأدب العربي بالمطر كثيرا مركزا على وصفه وذكر تفاصيل ودلالات السحاب والبرق والرعد وكل الظواهر التي تصاحبه عادة ولا يمكن أن نجد أدباً آخر أكثر غنى في هذا الجانب والسبب هو أن العرب أصلاً يعشقون المطر ويستبشرون به خيراً ويرون فيه تشبيها لمعشوقتهم فاذا سقط المطر وزاد بشت وجوههم ورقصت قلوبهم فرحاً في هذا العرس الطبيعي البهي.
وقد اجتهد العرب منذ القدم في التغني بالمطر ويعد امرؤ القيس أشهر الشعراء الذين كتبوا عنه وتغنوا به وقد وصف البرق والمطر القوي وقال في إحدى قصائده بهذا الخصوص..
أصاح ترى برقا اريك وميضه .. كلمع اليدين في حبيٍ مكلل
يضيء سناه أو مصابيح راهب .. امال السليط بالذبال المفتل.
وإذا ما سبرنا أغوار الشعر العربي سنجد أن الشعراء العرب طالما دعوا لدار المحبوب بالسقيا كما دعوا الغيم الى أن يجوب أرضهم لما في مكنونها من الخير العميم ففي الدعاء بسقيا ديار الحبيب يقول امرؤ القيس..
سقى دار هند حيث شطت بها النوى .. احم الذرى داني الرباب ثخين.
ولكثرة حبهم للمطر دأب العرب على تسمية أبنائهم بأسمائه المختلفة فمثلاً كانوا يسمون.. مطر ومزنة وهتان كما سموا.. المنذر بن ماء السماء وغيثا وغياثا ودلالة ذلك ولع العربي بالغيث ومشتقات اسمه وكذلك بسحائب خيره.
وسيظل للشتاء وللمطر مكانة خاصة في مجتمعاتنا العربية فطالما مثل مصدراً للإلهام لدى بعض الشعراء والكتاب وتوالدت هذه الصور الجميلة وتعددت لتصوغ أهازيج وأغاني شعبية رقيقة وشيقة تعكس الفرح بقدومه فتصف بهاءه وجماله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق