الخميس، 8 يناير 2015

مؤسسة فنون الثقافية / قصة / شارع الحب / خديجة السعدي / العرا ق






شارع الحُــــــــــــــــــــــــبّ
خديجة السعدي
ككلّ أولئك الذين يُنشدون بعض الطمأنينة في صوّر الماضي، جلستُ أقلّب ألبوم صوّر قديمة أخرجتهُ من صندوق ذكريات خشبي أحتفظ به في خزانتي الخاصة.
كانت أول صورة توقفتُ عندها صورةً لي بالأبيض والأسود وأنا تلميذة الصف الأول الابتدائي. شعرٌ كثٌ ملفوف على شكل قبعة فوق رأسي. كنتُ صغيرة أسيرُ مع صديقاتي التلميذات في مدرسة أم سلمة الابتدائية الواقعة في شارع الحُبّ في الجانب الغربيّ من محلّة العباسيّة في كربلاء. لا أعرف من أطلق اسم الحُبّ على هذا الشارع الذي كان يربط مدرستنا بسوق النجّارين، عبوراً بمستوصف الطلبة ومستشفى الأمراض الصدريّة. لابدّ أن عشاق المحلّة كانوا في زمن ما يتنزّهون فيه مع عشّاقهم وعشيقاتهم، أو شيء من هذا القبيل.
كنّا نسير في شارع الحب إلى المدرسة كلّ يوم، ذهاباً وإياباً. فتيات صغيرات لم يعرفن الحبّ بعد، أو لم تعكّر الحياة حبهنّ الطفوليّ. وحين أنهينا المدرسة الابتدائية، بقينا نسير في شارع الحُبُّ كلَّ يوم مرتين، على الأقل إلى ثانويّة الزهراء،الأبعد قليلاً من مدرسة أم سلمة. كالكثير من المراهقات والمراهقين، كنّا نتهادى في مشيتنا، نتلّفت أو نتجاهل نظرات الآخرين أو نحاول لفت انتباههم. كنّا نبحث عن الحبُّ ونعتقد أننا سنجده في شارع الحبّ.
تتالت صوّر الألبوم وتتالت الذكريات المطعّمة بالحُبّ. صديقات وأصدقاء وأقارب وأحبّة من بلدان مختلفة في مدن مختلفة. أعيد ترتيب الصوّر في الألبوم وفق منطق جديد. هل هي محاولة لإعادة ترتيب الماضي؟ أم هو بحثٌ عن حُبّ ضائع نقضي عمرنا في البحث عنه، نعبر شوارع لا تُحصى آملين أن تقودنا إلى شارع حُبّ آخر؟
أتساءل كم من الشوارع أُطلق عليها اسم الحُبّ وأتذكر أني كنتُ قد خططتُ أن أذهب غداً لزيارة معرض تشكيليّ في شارع الروضة، الذي يطلق عليه الدمشقيون أيضاً شارع الحُبّ، لابدّ أنه كان يعجّ بالعشاق في زمن ما، قبل أن تحتلّه السيارات الفارهة على كلا الجانبين. أحاول تذكر اسم الفنان أو موضوع المعرض وأتخيّل معرضاً تصويرياً لشوارع حُبّ من أنحاء العالم: عشّاق وعاشقات يتمشّون في شوارع هادئة بعيداً عن أنظار الرقباء ورتابة الحياة اليوميّة.
في اليوم التالي عدتُ من المعرض التشكيلي الذي كان لفنان عراقي اسمه علي الربيعي، على ما أذكر. فاجأني ابني بكامرته الجديدة والتقط لي صورة وهو يفتح الباب. فكرتُ بأن أقترح عليه مازحةً أن يضيف صورتي إلى مجموعة صور معرض شارع الحُبّ، لكني لم أعرف كيف أشرح المزحة فلم اقل شيئاً واكتفيت بالابتسام لصورتي التي حملتْ بدلاً من الدهشة، تعبيراً تغلب عليه المحبّة لرؤيته


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق